كتب رياض صبره
الحكومة الصينية تمنع ما يقرب من 50 نجمًا رياضيًا من دخول البلاد وتفرض عليهم أحكامًا بالسجن لمدة 20 عامًا. فقد اتخذت الدولة الآسيوية تدابير غير مسبوقة للحد من التلاعب بنتائج المباريات، حيث حُكم على لاعبين بالسجن لمدة عقدين من الزمن. وتشهد كرة القدم الصينية تحولات جذرية بعد سنوات من الفضائح والرشاوى والتلاعب بنتائج المباريات التي أضرّت بشدة بصورة ما يُسمى “ملك الرياضة” في العملاق الآسيوي. والآن، تواجه البلاد حملة تطهير شاملة تقودها أعلى مستويات السلطة السياسية. وإن التأكيد الأخير على الحكم بالسجن لمدة 20 عامًا على مدرب المنتخب الوطني السابق لي تيي هو مجرد غيض من فيض في حملة مكافحة الفساد التي اجتاحت اللاعبين والحكام والمسؤولين على حد سواء.في 30 نيسان أيدت محكمة الشعب العليا في هوبي حكم السجن الصادر في كانون اول بحق لي تاي مستشهدةً بأدلة دامغة على الرشوة والتلاعب بنتائج المباريات خلال فترة عمله كمدرب للنادي ووصوله إلى قيادة المنتخب الوطني.
أذهل لي نجم نادي إيفرتون السابق وأحد أبرز لاعبي كرة القدم الصينيين في الخارج الأمة عندما بُثّ اعترافه المتلفز على كاميرات المراقبة في كانون الثاني واعترف بدفع ما يقرب من 400 ألف يورو لتأمين منصبه كمدرب للمنتخب الوطني واعترف وبتورطه في التلاعب بنتائج المباريات وقال: “أشعر بالأسف الشديد بعض هذه الممارسات كانت شائعة في كرة القدم آنذاك”. والحقيقة هي أن التلاعب بنتائج المباريات ظل سرًا مكشوفًا في كرة القدم الصينية لفترة طويلة جدًا ففي ايلول 2024 أعلن الاتحاد الصيني لكرة القدم (CFA) عن إيقاف 43 شخصًا متورطين في التلاعب بنتائج المباريات مدى الحياة.
ومن بين المعاقبين اللاعبون الدوليون السابقون جين جينداو وغو تيانيو وغو تشاو بالإضافة إلى اللاعب الكوري الجنوبي سون جون هو الذي أُلقي القبض عليه في الصين في أيار 2023 وأُعيد لاحقًا إلى وطنه. كما شملت القائمة اللاعب الكاميروني إيولو دونوفان، الذي يلعب حاليًا مع نادي خيطان الكويتي والذي أُوقف لمدة خمس سنوات بسبب أفعاله أثناء وجوده مع نادي تشجيانغ لكرة القدم. وجاءت هذه العقوبات بعد تحقيق مكثف شمل 120 مباراة و128 مشتبهًا به و41 ناديًا لكرة القدم. فقدأكد رئيس الاتحاد الصيني لكرة القدم سونغ كاي أن جميع الأفراد الـ 43 قد مُنعوا نهائيًا من ممارسة أنشطة كرة القدم وصرح قائلًا: “نحثّ قطاع كرة القدم بأكمله على الالتزام الصارم بهذا الحظر”.
لكن الفساد لم يقتصر على اللاعبين بل طال أيضًا الحكام الذين يُعتبرون غالبًا الحلقة الأكثر ضعفًا الذين خضعوا للتدقيق. في كانون اول حُكم على تان هاي المدير السابق لقسم إدارة الحكام في الاتحاد بالسجن ست سنوات ونصف بتهمة قبول رشاوى.
ولاستعادة مصداقيته أعلن الاتحاد الصيني لكرة القدم في آذار عن إنشاء أول أكاديمية وطنية للحكام في الصين وتهدف هذه المبادرة إلى تطوير جيل جديد من الحكام المدربين وفقًا للمعايير الدولية باستخدام أساليب حديثة. ووفقًا لسونغ كاي فإن هذا يمثل “خطوة حاسمة في بناء جيل من المحترفين رفيعي المستوى”. وتُضاف قضية تان هاي إلى تاريخ طويل ومثير للقلق ففي عام 2003 حُكم على الحكم الدولي غونغ جيان بينغ بالسجن 10 سنوات بتهمة التلاعب بنتائج المباريات خلال موسم 2000-2001. وقد كشف اعترافه عن شبكة من الحكام الفاسدين تُعرف باسم “الصافرات السوداء”. ولم يتوقف الفساد التحكيمي عند حدود الملعب بل وصل إلى كبار المسؤولين في هذه الرياضة فقد حُكم على تشانغ جيان تشيانغ الرئيس السابق للجنة الحكام في الاتحاد الصيني لكرة القدم بالسجن 12 عامًا بينما حُكم على نائبي الرئيس السابقين يانغ ييمين ونان يونغ بالسجن عشر سنوات ونصف لدورهما المباشر في مخططات التلاعب بنتائج المباريات. وقد أضرت هذه الفضائح بسمعة كرة القدم المحلية بشدة وأبعدت الجماهير الصينية التي حوّل الكثير منها اهتمامها إلى الدوريات الأوروبية. ولا يمكن فهم هذه الحملة المتواصلة فهمًا كاملًا دون سياقها السياسي فمنذ توليه السلطة عام 2012 قاد الرئيس شي جين بينغ حملةً واسعة النطاق لمكافحة الفساد استهدفت كبار مسؤولي الحزب الشيوعي وموظفي الخدمة المدنية والآن كبار المسؤولين الرياضيين. في آذار حُكم على الرئيس السابق للاتحاد الصيني لكرة القدم تشين شويوان بالسجن مدى الحياة بتهمة الفساد مما شكّل ضربةً قاسيةً لمؤسسة كرة القدم الصينية. إن الحكم على لي تاي وعزل عشرات اللاعبين وإصلاح تدريب الحكام كلها جزءٌ من استراتيجية أوسع: “تطهير كرة القدم باعتبارها انعكاسًا لدولةٍ لن تتسامح مع الفساد بعد الآن”.