بقلم : وفيق حمدان
أخرَسَنِي موتك ، وأعجَزَ قَلَمي وَحَرَّكَ في أعماقي ، قبل العين ، دمعةً حرّى، فَقدُك والرحيل ، لكن في الوقت عينه ، كان يعزِّيني أنك اْسْترَحت من همّ الدنيا وعذابها وظلم ذي القربى، وجحود بلد اعتاد تكريم كباره بعد مغيبهم.
يعزِّيني أيضاً أنك كنت فعلاً ، وليس بالإسم فقط ، “عبداً للرحمن” صافياً ، مطيعاً ، مُنيباً ، طاهراً ، لم تَشُب إيمانَك شائبة، ولاعكرّ صفوها رياءٌ ولا دَجَلٌ ولا زَيفٌ ولا إدِّعاء.
أسْمَوْك منذ شبابك ” الشيخ” ،وهو لَقَبُك الأحبُّ إلى قلبي ومبعثُ اْحترامي لك ، والذي بقيت أناديك به كلما التقينا في …. الملاعب ، والمناسبات.
أكبرت فيك إيمانك العميق والتزامك الوطيد، الذي جعلك ، على قليل عِلمِك وثقافتك، تتمسك بقراءة كتاب الله ، ما أمكن وتيسّر.
وكما كنت في تديّنك وأخلاقك الطيّبة ، كنت كبيراً في الرياضة، عملاقاً بين الخشبات الثلاث، شهيراً ذائعَ الصيت على الألسن، ونجماً نال الألقاب والكؤوس واستحق الإحترام ليس في لبنان فقط ، بل وخارجه أيضاً في كل مباراة دوليّة لعبتَها.
جلبت الفخر للبنان وللطريق الجديدة ، التي دَمَغَت لسانك بلهجتها المحبيّة، وطيّب المعشر، وبالتواضع الذي لم تغيرّه، نجوميتك الفذّة، ولا ذلك الأداء المبهر الخارق الذي تلقيت على أثره عَرضَين للإحتراف في إيطاليا وتركيا ، في ذلك اليوم المجيد والتاريخي من مسيرتك الرائعة، وتحديداً ضمن دورة دولية وديّة عام 1963، بإيطاليا . يومَها ، خسر لبنان بصعوبة أمام إسبانيا ، وبهدف وحيد هزّ شباكك، أواخر اللقاء الذي كان ، بوقائعه ، مواجهةً مباشرة بينك وبين نجوم الريال والبرشا وغيرهم من فطاحِلِ إسبانيا آنذاك.
أيها الراحل الكبيرالصابر ،
كنت عملاقاً كبيراً مع قلبِ طفلٍ صغير ، كما يقول عنك الكابتن عدنان الشرقي …. وأنا أوافقه الرأي ، بل وأجزم أنك لم تعرف يوماً الحقد على أحد، ولم أسمع منك نميمة ولا إستغابة ، ولا تَشَكيَّاً مِن ظلم، قريبا كان مصدره أو بعيداً ، ولا إستدرار عطف أحد ، وعلى العكس ، لطالما أُعجِبتُ بتكرارك الكلمة الأحب إلى قلبي ..” الحمد لله”.
هذا الحَمْدُ يا شيخ الطيبين ، ويا مِثالَ الكبار المتواضعين ، هو الذي يطمئنني على آخرتك إيماناً بقول رسول الرحمة والهدى ، صلّى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحبه المنتجبين وسلّم: “أولُ من يُدْعَى إلى الجنةِ ..الحَمَّادُونَ، الذين يَحْمَدُونَ اللهَ في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ.”
صحيح أننا لم نكن نلتقي كثيراً ، لكنني وككثيرين مثلي عرفوك وأحَبُّوك ،سنفتقدك كثيراً لأنك كنت في كل مجلس ومناسبة صاحب الأدبِ واللياقة والطُّرفَةِ اللطيفة بِلِسانٍ لا فُحش فيه يخدش الحياء ولا يفقد اتِّزَانَه.
قد يتضايق من يسمع شكواي من تقصير مسؤولي بلدنا تجاه من خدموا لبنان بصدق وإخلاص، لكنهم لا يعرفون أن عينيك اللتين حرست بهما شبّاك لبنان والنجمة والأنصار والنادي الأولمبي المصري فقدت إحداهما في ملاعب كرة القدم فّاْسُتبدِلت بعين زجاجيّة . مع ذلك ، بقيت تربِّي الحراس جيلاً بعد جيلز لكن ، ها هي كرة القدم تتخلَّى عنك في يوم موتِك ، فتتركك جثّةً محجوزة في براد المشرحة رهن 12 مليون ليرة حالت دون إخراجك إلى قبرك لولا مبادرةٌ منقوصةٌ من وزير الصحة ، أكملتها مَكْرٌمَةٌ حميدةٌ من رئيس اتحاد كرة القدم المهندس هاشم حيدر.
فَتَعسَاً وبِئساً لدولةٍ يُحتجَز فيها جثمانُ رياضيٍ مميزٍ وفريدٍ خدمها وجحدته أفضالَه ، وأعطاها العِزَّ والفخار ، فأعطته في آخر لحظات حياتِه الذُلَّ ومَسحةً من عار ،عارِ الموتِ فقيراً مُعدَماً ليس في تَرِكَتِه ما يكفي لِفّكِّ أسره من المستشفى.
لكن ، لا بأس يا شيخ ، فالفقر مع عزَّةِ نّفسٍ وتَعَفُّف ، خيرٌ من غِنى مع حرام أوتزلُّف . وأطمئنُك يا صديقي بما يطمئنُنِي ، قولِ رسول الله (ص) :”اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ..”