بقلم : وفيق حمدان
أغالب الدَّمع ..يغلِبني ، وأكابِد اللَّوعَ .. يهزِمُني ، فَبِوفاتك يا محمّد ، خذَلَني الجَلَد وانهَمَلَت مآقِيّ حزناَ على الشباب والأخلاق ، حارَّاً يحرق القلب قبل الخدّ.
ليس شِعراً ما أكتب ، ولا خَيَالاً ما أصوِّر به حالي التي أزرى بها ، بعد أن أودى برباطة جأشي، أسى عميقٌ لم يكن بعيداً عن يوميّاتِ شعوري منذ أن استقرَّت في رأسك رصاصة الموت والحِقد المُتفَلِّت من كل عِقال ،في نفسٍ مريضةٍ لقاتلٍ مجهولٍ معروف يسرح ويمرح غير آبِهٍ بمصيبةٍ اقترفتها يداه ، وقد يكرِّرها مرة، وربما مرّات.. فالأمن سائب والقضاء غائب والكلام كثير ، ضئيل ، في أفواهِ “نواطِيرَ ، عاجزين عن حماية الأبرياء ، ولا يُجيدون إلا السفسطة والجعجعة ،ولا..طحين.
أحببتك يا محمّد ، لأنني ما رأيتك في أيٍّ من مبارياتِك إلا قائداً لفريقِك مُتَمرِّساً ومحَنَّكاً، والمايسترو الذي ما قَدَرَته كرة القدم اللبنانية حقّ قدرِه ، والأهمّ من ذلك ، هو أنني لم أرَ منك يوماً ، لا داخل ولا خارج الملعب إلا دماثةً في الخُلُق وأدباً في التعامل ولطفاً وحِشمةً في اللسان.
أذكر أيضاً أنك ، وفي كلّ اتصالاتِك الهاتفيّة معي ، أو رسائلِك الصوتية والمكتوبة ، التي ما زلت أحتفظ بعددٍ منها ، أذكرأنك ما كنت تترك في نفسي كلَّ مرَّة إلا المزيد من الإحترام لتهذيبك والإعجاب بهذه التربية المُتأصِّلَة في نجمٍ وكابتنِ شابٍّ في عمر الورود ، لم يتسرَّبِ الغرورُ ولا العجرفة يوماً إلى نفسه.
ولعل هذه الصفات ، بل هذه المناقب، التي عرفتها في شخصك يا محمد هي ما يُبَرِّىء نفسي من الملامة، حينما أسألها مندهِشاً : لماذا كل هذا الدمع على شخص لا تربطك به لا صِلَةُ رَحِمٍ ولا صداقة قريبة ؟
أبكيك وأرثيك كما يفعل كل من عرفوك ، وأحزن لأن كل دعائي لم يُجدِ في ردِّ قضاء الله وقَدَرِهِ عنك ، ولأنني أتخيّلُ بِحٌرقَةٍ حال عائلتك في هذا المصاب الأليم ، وبِالأخَصّ ، الوالدة الكريمة.
لكن ، في الوقت عَينِه ، تخفِّفُ ألّمِي ثقتي بِصَبرِها وإيمانِها ، بل وبشكرها لربّها الذي ألهمها أن تبيت قرب سريرك في ليلتك الأخيرة كي تحظى بفرصة توديعك ، والذي ما توَفَتك ملائكته إلا بُعَيدَ ليلة ٍ مباركة ،عند فجرِ يومٍ فضيل.
كما أن من حملت إليك عَلَمَ العبّاسِ (ع) لِتَبسُطُه فوقك طمعاً بشفائك، مع عِلْمِها بما جرى عليه وعلى أخيه الحسين (عليهما السلام) من فظاعاتٍ لم تمنعها كرامتهما ومكانتهما عند الله ، فإنها لَتعرِف وتؤمِن وتسَلِّم بالتأكيد بمشيئةِ الله ، وبأنّ “لك في الجَنّة مرتبة لن تنالها إلا بالشهادة”. ويعزّيها أكثر ، ويعزِّينا أنك راحلٌ إلى ربّ رحيم أحنّ عليك منها، وهو، جل وعلا، وعد في كتابه الكريم ” وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا”.
هنيئاً لك يا فقيد الرياضة والشباب والأخلاق ، فهذه المظلومية التي وبإذن الله العادل تعالى، ليست إلأ مَهْرَاً لِ ” مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ” ، إختارك لِلخَلاص من العيش في هذه الغابة التي تعج بمرضى يفسِّرون خوف المؤمن من عقاب الله تعالى إن انتقم خطأ من شخص بريء، يفسِّرونه ضعفاً وقلّة حيلة.
أيها الراحل العزيز، تطمئنني في وقوفِك أمام ربِّ الحساب ،أخلاقك الكريمة الطيبة، لأنه ، جل وعلا ، خيرُ مَن يقدرّها ويعظِّمُها وهو الذي اختص نبيّه (ص) بآيةِ ثناءٍ رائعة…” وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ”.
هنيئاً أيضاً لعائلتك صَبْرَها الجميل ، وبالأخص للوالدة الكريمة التي أسمح لنفسي بأن أردِّد معها ” اللَّهم لا يَكُن عليك أَهْوَنُ مِن فَصِيلِ نَاقةِ صَالح”.