أتممت عامي الخمسين، لكن يوم مولدي هذا العام جاء مختلفاً في ظل هذا الوباء الذي حال بيننا وبين أقرب الناس إلينا.
عام مضى، ولم أكن لأتخيل في أسوأ أحلامي أن أمر بهذا الكابوس. وقد آن الأوان لأفصح عما لديّ من مشاعر الفقد والأسى التي تراود الملايين منا الآن حول العالم.
تمر علينا في حياتنا أيام خالدة مثل يوم الزفاف أو مولد الأبناء، ولمن حالفه الحظ يوم الفوز ببطولة كأس العالم باسم بلاده. ولا تستطيع الأيام محو تلك اللحظات الرائعة من الذاكرة.
وهناك أيام ثقال لا تنسى؛ أيام لا تفسير لها، لحظات غامضة ومأساوية لم تكن في الحسبان، لا يمكننا أن نحيد عنها أو نمنعها.
ففي الرابع من سبتمبر 2019، توفي نجلي دانيلو فليسيانو دي مورايس وهو في الثلاثين من عمره. وهناك بعض الأمور في عالمنا لا تفسير لها، ليس لها سبب واضح أو منطقي. لقد مات ابني بين ذراعيّ! حاولت إنقاذه؛ لكن فاضت روحه، إنه شعور مريع.
لقد فاضت روح نجلي، وكلي يقين أنه الآن في مكان أفضل، وأدعو ألا يذوق أب مرارة الحسرة، فلا ينبغي أن يواري الآباء أبناءهم الثرى.
لم أتحدث حتى يومنا هذا على الملأ عن تلك المأساة، ولا أنوي الدخول في تفاصيل أحداث ذلك اليوم أو الأسابيع والشهور التي تلت وفاته. أشعر أن الوقت الآن مناسب للحديث عن أشياء بعينها.
أشعر بمرارة الفقد التي يشعر بها الملايين الآن حول العالم ممن يعانون المشاعر ذاتها والخسارة المفاجئة، وخاصة على نحو متزايد يومياً في وطني العزيز البرازيل. وودت أن أتطرّق إلى هذا الأمر وأتشاركه معكم، وأن أستفيد من هذه الفرصة للحديث عن كيف مدت عائلتي يد العون لي، وكيف آزرنا بعضنا البعض خلال تلك اللحظات العصيبة، وكيف ساعدتنا هواياتنا المشتركة على التعافي، ومن بينها الرياضة.
وقبل أن استطرد في الحديث عن ذلك، تعد تلك المرة الأولى التي أتحدث فيها بشكل مباشر عن وفاة نجلي. ولا يفوتني أن أشكر الآلاف الذين تواصلوا معي بخواطرهم وصلواتهم. وأعجز حقيقة عن التعبير بالكلمات عن معنى ذلك لي ولعائلتي في ذلك الوقت، وأشكر من أعماق قلبي كل من ساعدنا على تخطي تلك المحنة.
سأتحدث عن عائلتي الآن في الوقت الذي يجتاح فيه ذلك الوباء أركان العالم كافة. أثناء الحجر الحالي يُمضي الناس مزيداً من الأوقات مع أحبائهم أكثر من ذي قبل. وهناك من حالَ العزل بينه وبين أحبائه ويفتقدهم بالتأكيد أكثر من أي وقت مضى.
ويقودني ذلك إلى التفكير فيما أمدتني به عائلتي من قوة ودعم عقب وفاة دانيلو. أنتمي لعائلة كبيرة، لدي ستة إخوة. ولم تقتصر مؤازرتهم لي على تلك اللحظات وحسب؛ لكن في ظل الأزمة الحالية، أصبحت العائلة عماد كل شيء، نستمد القوة يومياً من بعضنا البعض، ولذلك يمكننا سوياً التغلب على هذا الألم وأن نتطلع بتفاؤل إلى المستقبل.
إن ألم فقدان الأحبة لا يزول؛ لكن يجب أن نحاول أن نتذكر دوماً شيئاً إيجابياً. حينما أفكر في دانيلو، أتذكر ما كان يستمتع به؛ فقد كان يهوى المزاح مع الآخرين. لذا، وحينما أشعر بمرارة فقدانه أحاول دوماً تذكر تلك اللحظات الجميلة وأبتسم. هكذا صرنا نتعامل مع خسارتنا إياه بطريقة إيجابية.
مرة أخرى، ومع استمرار الإغلاق هنا في البرازيل والعديد من دول العالم، أستفيد من الوقت في قضاء مزيد من الساعات مع المقربين لي. وأتمرّن وأمرنهم يومياً، وقد تحول ذلك إلى نشاط عائلي يومي يبعث على المرح.
يعلم الناس من خلال معرفتهم بشخصيتي أنني إنسان بطبيعتي سعيد وإيجابي، وأود أن أظن ذلك في نفسي حتى وأنا بعيد عن أضواء الحياة العامة. وعليه أحاول دوما أن أنظر للأمور الإيجابية في كل شيء، حتى هذا الوباء المفزع.
الآن لدينا منحة تمضية مزيد من الوقت مع العائلة. شخصياً، أراها نعمة لأنني أسافر كثيراً، وفي العادة أكون بعيداً عن المنزل وعن أحبائي. والآن تطور عن هذا الوضع السلبي أمر إيجابي. بالطبع أفتقد التواصل مع الناس، فأنا منهم وأنتمي إليهم، ولا شيء يسعدني أكثر من لقاء الناس للمرة الأولى والحديث معهم عن كرة القدم.
لقد قمت بالكثير من العمل خلال الأشهر الماضية مع اللجنة العليا للمشاريع والإرث، الجهة المسؤولة عن تنفيذ مشاريع بطولة كأس العالم FIFA قطر ٢٠٢٢™️، بوصفي أحد سفرائها. ولقد مكنني عملي مع برنامج الجيل المبهر من التقارب مع المئات من عشاق كرة القدم من حول العالم قبل الأزمة الراهنة. وكفل لي ذلك فرصة المشاركة في جلسات تدريبية معهم. ويمكنني أن أرى وزملائي السفراء تشافي هيرنانديز، وصامويل إيتو، وتيم كاهيل، السعادة البالغة على وجوه الأطفال حينما نصل للعب مباراة معهم. إنني في غاية الاشتياق لهذا الأمر. وأعلم أن البرنامج ينظم العديد من الجلسات عبر الإنترنت للتواصل مع الأطفال خلال فترة بقائهم في منازلهم، وهذا في حد ذاته جدير بالإعجاب وابتكار رائع خلال هذا الوقت. ولنكن متفقين أن رؤية السعادة على وجوه الأطفال حينما يلعبون كرة القدم لا يضاهيه شيء، ذلك أكثر ما يسعدني وأحد الأمور التي أفتقدها للغاية.
وكما أذكّر نفسي يومياً، وحينما كنت أعاني العام الماضي، لن يستمر هذا الألم وهذه الأمور السلبية إلى الأبد. ورغم أنني متأكد من أننا لن ننسى تلك الأوقات؛ إلا أنها حتماً ستمر. وحينما ينتهي ذلك كله سنعود لحياتنا الطبيعية. سنعود لنقدر الأشياء البسيطة التي كانت مسلّمات بالنسبة لنا.
من بين هذه المسلّمات، على سبيل المثال، هوايتي الثانية وهي قيادة الدراجات النارية. أعلم أنني حينما أعود لقيادتها على طريق لربما سلكته ألف مرة ستكون الرحلة أمتع بكثير من ذي قبل.
لا شك أننا نمر بأوقات استثنائية، ولكن لنذكر دائماً أن أكثر ساعات الليل ظلاماً تلك التي تسبق بزوغ الفجر.
وختاماً، أرجو للجميع الصحة والسلامة، وأدعوكم للبقاء في منازلكم، ولتبقوا أقوياء. اعتنوا ببعضكم البعض، وتذكّروا أن تلك الأزمة ستنتهي قريباً.